Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog d'education et de formation

1/2 خصائص النمو في مرحلة الطفولة المبكرة وأثرها على شخصية الطفل

20 Mai 2009 , Rédigé par mazagan Publié dans #التعليم الاولي

خصائص النمو في مرحلة الطفولة المبكرة

وأثرها على شخصية الطفل

أ.د. ليلى كرم الدين(*)

 

 

تمهيد

 

الهدف الأساس من هذه الدراسة هو معالجة وعرض وتوضيح أهم خصائص النمو في مرحلة الطفولة المبكرة، سواء ما يتعلق بالنمو البدني أو اللغوي أو المعرفي أو الاجتماعي أو الانفعالي وأثر جميع هذه الخصائص على نمو شخصية الطفل. ومن المتفق عليه بين الصعيد الأعظم من علماء نفس الطفل وأساتذة الطفولة والتربية المعاصرين، وكذا بين المتخصصين والخبراء في المجال ومختلف المنظمات الدولية المعنية بالطفولة ومن أهمها المجلس الدولي للتربية المبكرة (1) (OMEP) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO)  ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ( UNESEF) وغيرها، أن مرحلة الطفولة المبكرة تشير إلى الأطفال من الميلاد وحتى عمر ثماني سنوات. بالإضافة إلى ذلك تتفق مختلف الفئات والهيئات السابق الإشارة لها على أن التربية المبكرة، Early Education أو "التربية خلال مرحلة الطفولة المبكرة (ECE)، Early Childhood Education" تشير إلى كافة ما يقدم للأطفال من رعاية وتنشئة وتعليم وتنمية خلال الفترة من الميلاد وحتى بلوغ ثمانية أعوام(2).

ومن الجدير بالملاحظة أن مرحلة الطفولة المبكرة وكذا التربية المبكرة تحظيان باهتمام بالغ خلال المرحلة الراهنة على كافة المستويات الدولية والإقليمية والمحلية وفي مختلف دول العالم. بل إن الصعيد الأعظم من الجهات والمؤسسات السابق الإشارة لها تعتبر التربية المبكرة التي تقدم خلال هذه المرحلة بمعناها الواسع العريض السابق تحديده حقاً من حقوق الطفل على أسرته ومجتمعه والمجتمع الدولي بشكل عام. كما تؤكد هذه الجهات على ضرورة توفير تربية مبكرة ذات جودة عالية لجميع الأطفال بمرحلة الطفولة المبكرة في مختلف أنحاء العالم.

وعلى الرغم من الصعوبة البالغة للفصل بين خصائص نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة وما يقدم لهم من رعاية وتنشئة وتعليم وتنمية خلال هذه المرحلة ــ أي عملية التربية المبكرة ــ فإننا حرصاً على وضوح العرض والاختصار والتركيز فيه سنكتفي في هذه الدراسة بمعالجة أهم معالم وخصائص نمو الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، على أن يعطى الاهتمام الأكبر في الدراسة الثانية التي ستقدم لاحقاً لمعالجة التربية المبكرة وتوضيح أهميتها وأهـم الأسـباب وراء الاهتـمام بـها فـي المـرحلة الـراهنة، وبشـكل خـاص بعـد دخـول العالم للحلقة الثالثة من حلقات الحضارة الإنسانية وهي "حلقة المعلوماتية، The Information Era" وضرورة السعي لإكساب الأطفال خلالها الخصائص اللازمة لإنسان القرن الحادي والعشرين. كما ستعالج الدراسة الثانية كذلك أحدث الاتجاهات والتوجهات التي سارت فيها دراسات التربية المبكرة مع تقديم نماذج لأهم التجارب الدولية الحديثة والناجحة في هذا المجال.

وعلى أساس ما تقدم ستركز هذه الدراسة على معالجة أهم معالم وخصائص نمو الأطفال في مختلف جوانبهم على أن يتم في ختام هذه الدراسة القيام بمحاولة جادة لاستخلاص أهم الأسس والضوابط والاعتبارات السيكولوجية والتربوية اللازم مراعاتها والالتزام بها عند التوجه لأطفال مرحلة الطفولة المبكرة لرعايتهم وتنشئتهم وتعليمهم وتنميتهم خلال هذه المرحلة الهامة والخطيرة.

نتيجة لذلك ستنقسم هذه الدراسة إلى النقاط الأساسية التالية :

 

أولاً : خصائص نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة وأهم مجالات النمو اللازم معالجتها :

1. أهم الأسباب وراء ضرورة معالجة معالم وخصائص نمو الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة في ورشة عمل للخبراء المتخصصين في هذا المجال.

2. أهم جوانب ومجالات نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة وأبرز المعالم المميزة لخصائص نموهم خلال هذه المرحلة في كل من الجوانب والمجالات التالية :

أ) النمو البدني (نمو العضلات الكبيرة والدقيقة)  Physical Development.

ب) النمو اللغوي،  Language Development.

ج) النمو العقلي والمعرفي،  Mental and Cognitive Development.

د) النمو الاجتماعي،  Social Development.

هـ) مساعدة الذات،  Self Help.

و) النمو الانفعالي،  Emotional Development.

ز) نمو الشخصية،  Personality Development.

 

ثانياً : أهم الأسس والضوابط والاعتبارات السيكولوجية والتربوية اللازم مراعاتها والالتزام بها عند التوجه لأطفال مرحلة الطفولة المبكرة:

ونقدم فيما يلي التفاصيل اللازمة لتوضيح كل من النقاط الأساسية والفرعية السابق تحديدها :

 

أولاً : خصائص نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة وأهم مجالات النمو اللازم معالجتها

سنحاول في هذا القسم من الدراسة توضيح أهم الأسباب وراء معالجة خصائص نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة في بداية جلسات عمل خاصة بالخبراء العاملين مع أطفال هذه المرحلة، ثم يلي ذلك تحديد لأهم جوانب ومجالات نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة وأبرز المعالم المميزة لخصائص نموهم خلالها.

1. بالنسبة للنقطة الأولى فقد يثار تساؤل مؤداه: لماذا يلزم معالجة خصائص نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة مع بداية عمل ورشة العمل الحالية ؟

وللإجابة على هذا التساؤل يمكن القول بأنه على الرغم من كون جميع الحضور بهذه الورشة من المتخصصين والخبراء الذين يتصفون بمستوى عال من المعرفة والدراية بأهم خصائص نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة، فإن المسؤولين عن تنظيم هذه الورشة ووضع برنامجها قد وجدوا من الضروري والهام معالجة هذا الموضوع وإعطاءه قدراً من الاهتمام والإطلال عليه ولو بشكل سريع في مثل هذا اللقاء. والحق أن هناك عددا من الأسباب الهامة وراء معالجة هذا الموضوع لعل أهمها على الإطلاق اتفاق جميع أساتذة علم نفس الطفل والتربية حديثاً على ضرورة أن يكون كافة ما يقدم للأطفال خلال هذه المرحلة بل خلال مختلف مراحل النمو من مناهج وبرامج واستراتيجيات وأنشطة "متمركزاً حول الطفل، Child Centred".

ويعني ذلك أن يتم بناء جميع هذه المناهج والبرامج والاستراتيجيات والأنشطة وتصميمها على أساس المعرفة الدقيقة والعميقة بخصائص الأطفال ومعالم نموهم في مختلف جوانبهم (النمو البدني واللغوي والعقلي والمعرفي والانفعالي والاجتماعي). كما يعني ذلك أيضاً أن تتم المزاوجة بين ما يقدم للأطفال من برامج ومواد ومستوى نموهم وما يتوفر لديهم من مهارات وقدرات.

كما يلزم أن تسعى جميع هذه البرامج والأنشطة والمواد لتحقيق حاجات هؤلاء الأطفال وتشركهم فيها اشتراكاً فعالاً ومباشراً ونشطاً، وتقدم لهم بأساليب وطرق تجذبهم وتحببهم فيما يقدم لهم وتجعل استفادتهم من جميع هذه المواد استفادة حقيقية باقية وفعالة وعند الحد الأقصى.

بالإضافة إلى ذلك فمن شأن عرض خصائص نمو الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة تمكين الباحثين من التعرف على أهم وأحدث الأسس النفسية والتربوية والاعتبارات الهامة اللازم مراعاتها والالتزام بها عند التوجه للأطفال لرعايتهم وتنشئتهم وتعليمهم وتنميتهم، وهو هدف أساس لعقد مثل هذه الورشة، ومقدمة ضرورية وهامة للدراسة الثانية التي ستقدمها الباحثة والتي سبقت الإشارة لها.

2. أما فيما يتعلق بمجالات وجوانب نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة اللازم معالجتها في هذا الموضع، فالملاحظ أن أساتذة علم نفس الطفل والتربية ومختلف الروابط والجمعيات العلمية المتخصصة مثل "الرابطة الأمريكية لعلم النفس (APA) American Psychological Association"، و"الرابطة الأمريكية للتأخر العقلي، (AAMR) The American Association for Mental Retardation" وغيرها قد اتفقوا على أن هناك سبعة مجالات للنمو يلزم التعرف عليها وتحديدها ويفضل قياس مستوى معدل نمو الأطفال فيها خلال مرحلة الطفولة المبكرة، لأن أي تأخر في مجالين من هذه المجالات يجعل الطفل "معرضاً للإعاقة، At Risk or High Risk"، بما يستلزم تقديم البرامج التعويضية الملائمة له. والمجالات السبعة المقصودة والتي اتفقت عليها كافة الفئات والهيئات والروابط السابق تحديدها هي المجالات التالية :

أ) النمو البدني للطفل (نمو العضلات الكبيرة والعضلات الدقيقة)  Physical Development (Gross and Fine Motor Development)

ب) النمو اللغوي للطفل،  Language Development.

ج) النمو العقلي والمعرفي للطفل،  Mental and Cognitive Development.

د) النمو الاجتماعي،  Social Development.

هـ) مساعدة الذات،  Self Help.

و) النمو الانفعالي،  Emotional Development.

ز) نمو الشخصية،  Personality Development.

وقبل الدخول في عرض أهم خصائص نمو الأطفال في مختلف المجالات السابقة نجد من الضروري التأكيد هنا على معرفة الصعيد الأعظم من الحضور المتميز لكثير من هذه المعلومات بحكم التأهيل والتخصص والخبرة العملية.

نتيجة لذلك سيكتفى بمجرد الإشارة السريعة لأبرز معالم النمو في مرحلة الطفولة المبكرة في أهم المجالات السابق تحديدها على أن يعوض هذا الاختصار بعدة أساليب لعل أهمها :

I. التعريف بأهم الكتابات والمؤلفات والمقالات المبسطة المتوفرة باللغة العربية حول مختلف جوانب نمو الأطفال خلال هذه المرحلة مع عرض ما يتوفر من هذه المؤلفات والكتابات والمقالات المبسطة على الحضور وإتاحتها للتعرف عليها خلال فترة انعقاد الورشة حتى يمكن للحضور الراغبين في الاستزادة من تحقيق ذلك.

II. تـقديم المعـلومات الضـرورية حـول المـقاييس المقـننة المـتوفرة فـي البـيـئة العــربية وكــذلك حـول الأدوات البسـيطة الـتي يمكـن أن تـساعد عـلى تقـدير معـدل نمـو الأطـفال بـمرحلة الطـفولة المـبكرة لاكتشـاف أي تأخـر والسـعي للتـدخل المبـكر حيـاله وعـرض مـا يتـوفر مـنها خــلال الــورشـة.

III. القيام بمحاولة جادة، بعد الانتهاء من عرض كل ما يتعلق بأهم خصائص نمو الأطفال خلال هذه المرحلة لاستخلاص أهم الأسس والضوابط والاعتبارات السيكولوجية والتربوية اللازم مراعاتها والالتزام بها عند التوجه للأطفال لرعايتهم وتنشئتهم وتعليمهم وتنميتهم خلال هذه المرحلة. وسيتم هذا الاستخلاص ــ بطبيعة الحال ــ اعتماداً على الاطلاع على كافة الأطر النظرية الحديثة حول هذه المرحلة ومتابعتها بحكم خبرة الباحثة الميدانية العملية الطويلة المدى في العمل في هذا المجال، هذا بالإضافة لما يمكن أن يقدمه السادة الحضور من الخبراء والمتخصصين من مقترحات واستبصارات تثري هذه المحاولة من الاستخلاص وتعطيها التوجهات العملية والإجرائية اللازمة.

لنبدأ إذن بعرض المعالم الرئيسة للنمو في مختلف المجالات خلال مرحلة الطفولة المبكرة.

ويمكن إيجاز المعالم الرئيسة للنمو في مختلف المجالات خلال مرحلة الطفولة المبكرة في الآتي :

أ) النمو البدني للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة :

من أهم معالم النمو البدني للأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة والجوانب التي حظيت بحظ وافر من الدراسة والاهتمام ومحاولات التقدير والقياس، النمو البدني للأطفال وبشكل خاص نمو العضلات الكبيرة ونمو العضلات الدقيقة.

ومن الجدير بالملاحظة أن قياس نمو الأطفال في هذا الجانب كان قسماً من المقاييس العربية التي صممت وقننت لمرحلة الطفولة المبكرة في المرحلة الراهنة من أهمها :

* مقياس النمو النفسي لطفل ما قبل المدرسة الذي أعده فريق من الباحثين بتكليف من المجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر ونشر الدليل الخاص به وتقرير هذه الدراسة في عام 1994(3).

* الاختبار المسحي المقنن لأطفال ما قبل المدرسة في الكويت الذي أعده فريق من أساتذة كلية التربية جامعة الكويت بالتعاون مع الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية وصدر الإصدار الأول له في عام 2004(4).

بالإضـافة إلـى نـمو العـضلات الكبـيرة والـدقيـقة هـناك بعـض التحـاليل الطبـية الهامة الـتي تكشف عن النمو البدني السليم للطفل، وهناك أيضاً بعض القياسات الخاصة بطول الطفل ووزنه ودوران الذراع وطول القدم وسمك الجلد وقـياس ضغط الدم التي يعتمد عليها كمؤشرات للنمو وتساعد على التوصل إلى معايير النمو البدني له(5).

وقبل الانتهاء من عرض المعلومات والخصائص المتعلقة بالنمو البدني للطفل يلزم توضيح أنه بإمكان معلمات هذه المرحلة بعد الحصول على قدر ملائم من التدريب تطبيق المقاييس السابق الإشارة لها وخاصة أنه تتوفر بالنسبة للمقياس المصري على الأقل صور مختصرة للمقاييس الفرعية Short-Form، ومن بينها مقياس نمو العضلات الكبيرة والدقيقة. أما القياسات الطبية الأخرى فيمكن للمعلمة بعد الحصول على التدريب المناسب التعرف على الأقل على الأطفال الذين يكشفون عن تأخر واضح وإحالتهم للعيادات الطبية والطب نفسية المتوفرة.

ب) النمو اللغوي للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة :

دللت جميع الدراسات التي أجريت حول النمو اللغوي للطفل، سواء الدراسات الأجنبية أو العربية على أن النمو اللغوي للطفل يسير في مراحل، وأن لكل مرحلة خصائصها المميزة. كما دللت تلك الدراسات على أن القاموس اللغوي للأطفال عند كل من هذه المراحل، سواء القاموس المفهوم أو المنطوق يختلف عنه عند المراحل الأخرى. بالإضافة إلى ذلك أكدت جميع الخبرات التربوية والدراسات الميدانية والتجريبية التي أجريت حول لغة الطفل وبالذات خلال مرحلة الطفولة المبكرة على حتمية معرفة كافة المعلومات المتعلقة بلغة الطفل عند مختلف مراحل تطورها (معايير نموها وخصائصها عند مختلف الأعمار) حتى نتوجه للطفل عند كل من هذه المراحل بأسلوب ولغة يفهمها ولا تنفره من المواد المقدمة له.

كما كشفت دراسات عديدة عن أهم العوامل الفردية (كالنوع والذكاء والعنصر الذي ينتمي له الفرد) والعوامل البيئية (كالمستوى الاقتصادي / الاجتماعي لأسرة الطفل ونوع الخبرات والمثيرات التي يتعرض لها في حياته اليومية وحجم التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة وعمر الأشخاص المحيطين بالطفل وتعرض الطفل لتعلم لغتين معاً في الصغر وغيرها من العوامل والمتغيرات) التي ترتبط بالنمو اللغوي للطفل، وتلك التي تؤثر سلباً أو إيجاباً على معدل نموه اللغوي خلال مختلف المراحل وبشكل خاص مرحلة الطفولة المبكرة التي يكتسب خلالها الطفل القسم الأعظم من المفردات والمهارات اللغوية الأساسية وتقترب خلالها لغة الطفل من لغة البالغ في قسم كبير من خصائصها(6).

ولحسن الحظ أن عدداً من الدراسات العربية الحديثة التي سعت لدراسة النمو اللغوي للأطفال قد تمكنت من حصر الحصيلة اللغوية للأطفال المصريين. وبالنسبة للحصيلة اللغوية للأطفال المصريين من عمر عام حتى ستة أعوام فقد قامت الباحثة بحصرها في دراستين، الدراسة الأولى تمت بتكليف من مركز دراسات الطفولة جامعة عين شمس وكانت دراسة استطلاعية في هذا المجال ونشرت نتائجها عام 1987. أما الدراسة الثانية فقد كانت دراسة قومية واسعة النطاق قامت بها الباحثة بتكليف من الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية لحصر الحصيلة اللغوية للأطفال المصريين وطبقت في خمس من محافظات مصر تمثل البيئات الحضارية واللغوية المختلفة، ونشرتها الجمعية الكويتية ضمن الدراسات الموسمية المتخصصة في عام 1989. وقد تمكنت هذه الدراسة بالدرجة الأولى من حصر جميع الكلمات والمفردات المنطوقة التي يعرفها ويستخدمها الأطفال المصريون من عمر عام حتى ستة أعوام وضم الكتاب قوائم بهذه المفردات مرتبة وفقا للمرحلة العمرية للطفل كما ضم قائمة شاملة لأكثر ألف كلمة انتشارا بين الأطفال عند هذه الأعمار.

وحتى تعم الفائدة ويمكن للعاملين والمتعاملين مع مرحلة الطفولة المبكرة في مصر الاستفادة من نتائج هذه الدراسة تم نشر هذه القوائم مع ملخص للدراسة في كتيب صدر عن مركز توثيق وبحوث أدب الأطفال التابع للهيئة المصرية العامة للكتاب(7).

بالإضافة إلى ذلك تمكنت دراسة الحصيلة اللغوية المنطوقة السابق الإشارة لها من التوصل إلى تحديد أهم الخصائص التي تميز لغة الأطفال عند الأعمار التي درست، وهي خصائص يمكن أن تساعد وتفيد جميع العاملين والمتعاملين مع هؤلاء الأطفال من والدين ومعلمين ومربين ومؤلفي كتب الأطفال الأدبية والمدرسية ومعدي برامجهم في الإذاعة والتليفزيون وكذا العاملين في مجلات وصحف الأطفال وغيرهم.

أما بالنسبة للحصيلة اللغوية للأطفال الأكبر من ذلك فقد تم تنفيذ عدد من الدراسات القطرية بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) لحصر المفردات اللغوية المنطوقة لأطفال المرحلة الابتدائية في مشروع قومي لحصر الرصيد اللغوي المنطوق للأطفال العرب بالمرحلة الابتدائية. وقد قام حسن شحاته بدراسة وحصر الحصيلة اللغوية المنطوقة لأطفال المرحلة الابتدائية في مصر ونشرتها المنظمة في عام 1992.

وعلى الرغم من أن مثل هذه القوائم لا يمكن أن تكون حصرا كاملا للمفردات التي يعرفها جميع أطفال مرحلة الطفولة المبكرة وأنها في حاجة ماسة للتحديث والتطوير والبناء عليها فإنها في حقيقة الأمر قد ساعدت المعنيين بهذه المرحلة وشكلت مرشداً ودليلاً لهم عند إعداد المواد التعليمية والثقافية والترفيهية لهم، كما أنها ساعدت المعلمين والوالدين والأخصائيين النفسيين على تقدير مستوى النمو اللغوي للطفل والتمكن من اكتشاف أي تأخر أو مشكلات قد تعترض النمو السوي للطفل ومن وضع البرامج الملائمة لعلاج مثل هذه المشكلات.

وأخيراً تمت عدة محاولات عربية للتعرف على أهم المهارات اللغوية اللازم إكسابها للأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة وتمت عدة دراسات ومحاولات لإعداد البرامج اللازمة لتنمية هذه المهارات والإسراع من معدل نموها واكتسابها لدى أطفال هذه المرحلة. من أهم هذه الدراسات والجهود الكتيبات الإرشادية والمقالات المبسطة التي أعدتها الباحثة وطبقتها عند تدريب المعلمات بمؤسسات ما قبل المدرسة (ليلى كرم الدين، 1995) و(ليلى كرم الدين 1998 و2003) وكذلك دراسة (هاله البطوطي، 1998).

وأخيراً فإن أحد المقاييس الفرعية الهامة التي أعدت وقننت عربيا والتي سبقت الإشارة لها وهي المقياس المصري والمقياس الكويتي، هو مقياس للنمو اللغوي للطفل يمكن استخدامه بعد الحصول على التدريب الملائم والكافي لمعرفة مستوى النمو اللغوي للأطفال خلال هذه المرحلة.

كما قامت الباحثة بإعداد دليل عمل للوالدين والمعلمين وألحقته بأحدث كتاباتها حول النمو اللغوي للأطفال سن ما قبل المدرسة (ليلى كرم الدين، 2004). وقد تضمن هذا الدليل استمارة مقابلة يمكن أن تقوم الأم أو المعلمة بتطبيقها على الطفل لتقدير مستوى نموه اللغوي اعتمادا على عدد من المؤشرات الهامة والمتعارف عليها التي حددت في هذه الاستمارة والتي يعتمد عليها في تقدير هذا المستوى.

كما تضمن الدليل كذلك عرضا لأهم المهارات اللغوية(8) اللازم إكسابها لأطفال مرحلة الطفولة المبكرة وكذلك عرضا تفصيليا لمختلف الأنشطة والخبرات والألعاب التي يمكن أن تساعد على تنمية كل من هذه المهارات :

ج) النمو العقلي والمعرفي للطفل :

من أهم جوانب النمو النفسي للأطفال التي تهم جميع العاملين والمتعاملين مع الطفل، وبالذات معلموه ومن يعدون له المواد المقروءة والمكتوبة سواء التثقيفية أو التعليمية أو الترفيهية وتساعدهم على القيام بتلك المهمة بطريقة ناجحة وفعالة، معرفة كل ما يتعلق بالنمو العقلي والمعرفي للأطفال.

وقد أكدت النظريات والدراسات الحديثة في هذا المجال على أن النمو العقلي والمعرفي للطفل يمر بعدد محدد من المراحل التي تختلف كل منها عن الأخرى في خصائصها النوعية وفي نوع الأبنية والعمليات العقلية المنطقية التي تتوفر عندها. نتيجة لذلك تتصف عقلية الطفل خلال كل من هذه المراحل ببعض الخصائص والسمات التي يكون لها أبلغ الأثر على سلوكه وعلى كل ما يستطيع فهمه وتمثله من مواد.

وبالنسبة للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة دللت تلك النظريات والدراسات على أن تفكيرهم وفلسفاتهم  Philosophies وتصورهم للعالم والواقع من حولهم يختلف كيفيا Qualitatively عن تفكير البالغ وتصوراته. وبلغت هذه الاختلافات حدا جعل بعض علماء النمو العقلي للطفل (Jean Piaget (1980-1936)) يفترض أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه "العقلية الطفلية، Infantile Mentality". لهذه العقلية العديد من الخصائص والسمات والمحددات التي تستوجب على كل من يتحمل مسؤولية تعليم الأطفال عند هذه الأعمار أو تثقيفهم أو الترفيه عنهم أن يتعرف على هذه الخصائص ويدرك آثارها على سلوكهم وقدرتهم على الفهم والاستيعاب. في هذه الحالة فقط يمكن التعامل مع الطفل وفقا لخصائص عقله كما يمكن التوجه له بطرق وأساليب يفهمها ويستطيع تمثلها. بالإضافة إلى ذلك يكون بالإمكان تقدير الصعوبات التي يواجهها الطفل في تعامله مع العالم والواقع والأشياء من حوله، كما يمكن إدراك محددات عقلية الطفل عند مختلف مراحل نموه العقلي.

ومن حسن الحظ أن الدراسات العربية حول التطور العقلي للطفل وأهم الخصائص العقلية له عند مختلف مراحل تطوره قد شهدت اهتماماً كبيراً متزايداً ومتجدداً خلال السنوات الأخيرة. نتيجة لذلك تتوفر اليوم أعداد كبيرة من الدراسات والأبحاث والرسائل الجامعية إلى جانب بعض الكتابات والمؤلفات التي تتعرض لهذا الجانب ولنتائج الدراسات العربية التي أجريت حول التطور العقلي للطفل المصري والخصائص العقلية المميزة له عند مختلف مراحل تطوره. ومن أهم المصادر والمراجع العربية التي يمكن أن تفيد في التعرف على هذا المجال الهام، المصادر التالية : سيد محمد غنيم، 1971 و1973، وليلى كرم الدين، 1976 و1982 و1987 و1988 و1989 و1995 و1997 و1999-1998 و2002 و2004(9).

ومن أهم التطورات الحديثة التي وقعت في الفكر والدراسات والبحوث المتعلقة بالنمو العقلي للطفل وبشكل خاص من المنظور النمائي لجان بياجيه ما قام به بعض علماء نفس الطفل والتربية المعاصرين من وضع تصورات حول أهم المفاهيم والعمليات العقلية اللازم إكسابها للأطفال عند مختلف المراحل والأعمار، هذا بالإضافة للكم الهائل من البرامج التنموية التي صممت وأعدت وطبقت اعتماداً على نظرية جان بياجيه بهدف إكساب الأطفال هذه المفاهيم والعمليات والإسراع من معدل نموهم العقلي. ويهمنا هنا الإشارة لأحد التطورات الهامة التي حدثت في هذا المجال والتي طورها تشالس بارمان في عام 1990 (Barman, 1990) وأطلق عليها دورة التعلم The Learning Cycle، والتي حدد فيها المراحل المختلفة اللازم المرور بها لإكساب الأطفال المفاهيم العقلية الأساسية أو بناء المفاهيم لديهم. ويطلق بارمان على المراحل الثلاث لدورة بناء أو تعلم المفاهيم ما يلي :

* مرحلة الاستطلاع، Exploration

* مرحلة إدخال المفاهيم، Concept Introduction.

* مرحلة تطبيق المفاهيم، Concept Application(10).

وقد طبقت دورة التعلم في العديد من الدراسات والبحوث والبرامج التنموية التي كان هدفها الأساسي إكساب الأطفال المفاهيم العقلية الأساسية أو بناء المفاهيم لديهم. ولذلك يعتبرها كثير من العلماء المتخصصين في هذا المجال من أهم استراتيجيات التدريس التي تم استلهامها من نظرية بياجيه وتطبيقها في مجال التربية بشكل عام وتدريس العلوم والرياضيات على وجه الخصوص خلال مختلف المراحل التعليمية.

بالإضافة إلى ذلك كشف تتبع الدراسات الحديثة في مجال النمو العقلي للأطفال عن كم لا حصر له من الدراسات والبحوث الحديثة التي حاولت أو تصدت أو كان هدفها الأساسي السعي لتنمية تفكير الأطفال وإكسابهم مختلف المفاهيم والعمليات العقلية وبشكل خاص المفاهيم الأساسية اللازم اكتسابها خلال مرحلة الطفولة المبكرة. ومن بين أهم هذه البرامج وأحدثها برنامج الأنشطة العملية لتعليم المفاهيم الذي أعدته سيسل هوفجارد وفريق العمل بالمعهد النرويجي للتربية الخاصة، Practical Activities for Teaching Concepts(11).

وهو البرنامج الذي سيعرض بالتفصيل ضمن الجهود النرويجية في مجال التربية المبكرة(12).

وقبل الانتهاء من عرض المعلومات المتعلقة بمعالم وخصائص النمو العقلي المعرفي للأطفال يلزم الإشارة إلى أنه تتوفر في البيئة العربية عدة مقاييس مقننة لقياس مستوى النمو العقلي للطفل. فبالإضافة لمقاييس النمو النفسي للأطفال سن ما قبل المدرسة، سواء المقياس الذي أعد في مصر أو في الكويت واللذان سبقت الإشارة إليهما مراراً وإلى أن كلاً منهما يحتوي على مقياس فرعي حول النمو المعرفي للطفل وأنه بإمكان الأخصائي النفسي بل ومعلمي هذه المرحلة بعد الحصول على التدريب الكافي والملائم تطبيق هذه المقاييس الفرعية والاعتماد عليها على الأقل كمؤشرات وتقدير تقريبي للنمو العقلي للطفل يساعد على اكتشاف التأخر عنده، وهناك عدد من المقاييس الأخرى. من أهم هذه المقاييس :

* (اختبار التفكير المنطقي، حسن حسين زيتون، 1982).

* و(اختبار مراحل بياجيه، حسن حسين زيتون، 1986).

* (اختبار النمو العقلي للأطفال، عادل عبدالله محمد، 1989).

* (اختبار التفكير الصوري، سيد محمد الطواب، 1991).

* (اختبارات جان بياجيه بالمنهج شبه المقنن، اختبارات ثبات العدد، ليلى كرم الدين، 1988).

* و(اختبارات ثبات الكم، ليلى كرم الدين، 1989).

* وغيرها.

وسوف يُكتفى بالقدر السابق من المعلومات حول معالم النمو العقلي للطفل والخصائص العقلية التي تميز تفكيره خلال مرحلة الطفولة المبكرة. ويمكن مناقشة تفاصيل هذه الخصائص وأهم ما يلزم القيام به للتغلب على محددات نمو هؤلاء الأطفال، وكذلك أهم المفاهيم والعمليات العقلية التي تتوفر لديهم وأفضل الأنشطة والخبرات والألعاب والبرامج التي يمكن أن تساعد على تنمية هذه المفاهيم وإكسابها للأطفال خلال مختلف جلسات العمل بالورشة.

د) النمو الاجتماعي والانفعالي للطفل ونمو شخصيته خلال مرحلة الطفولة المبكرة :

بسبب ضرورة الاختصار بالإضافة للارتباط الوثيق لنمو الأطفال في مجالات النمو الباقية وأهمها المجالات التي حددت أعلاه ستتم معالجة أهم معالم وخصائص نمو الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة في جميع هذه المجالات مجتمعه في هذا الموضع.

وقبل التطرق لأهم معالم وخصائص النمو الاجتماعي والانفعالي والمتكامل للأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة قد يكون من المفيد أن نوضح هنا أن معرفتنا لهذه الجوانب ترجع في حقيقة الأمر لمساهمات عدد من المدارس والأطر النظرية التي ترتبت عليها ومن أهمها على الإطلاق مدرسة التحليل النفسي سواء المدرسة الكلاسيكية التي أرسى أساسها سجموند فرويد Freud, S.،  والتي وإن كانت قد بالغت في الاهتمام بالعوامل البيولوجية والغريزية في النمو الانفعالي ونمو شخصية الطفل بشكل عام، فإن الفضل يرجع لهذه المدرسة في التأكيد على أن أساس شخصية الإنسان يرسو خلال الأعوام القليلة الأولى من عمره واعتبار هذه السنوات حاسمة وخطيرة في بناء شخصيته طوال حياته، وهو رأي يتفق عليه اليوم الصعيد الأعظم من علماء نفس الطفل والنمو النفسي(13).

إلا أن التطورات الأحدث والتي وقعت في تيار أو مدرسة التحليل النفسي سواء على يد أتباع فرويد وتلاميذه المبكرين ممن أطلق عليهم الفرويديون الجدد، NeoFreudians أو من المعالجين النفسيين الأكثر معاصرة من أمثال إرك إركسون، Erickson وسلفان Sullivan وروجر Roger وغيرهم، الذين يطلق عليهم مجتمعين المدرسة الاجتماعية النفسية، The Sociopsychological School قد أكدوا على أهمية وخطورة العوامل الاجتماعية والبيئية في تشكيل شخصية الإنسان وأعطوها دوراً إن لم يزد عن دور العوامل البيولوجية والغريزية فعلى الأقل يكون مساوياً له.

هذه المدرسة وهذا التيار قد أرسى الأساس المبكر لعلم النفس الاجتماعي الذي أدت التطورات الأحدث فيه إلى التأكيد على الدور المحوري الهام للأسرة وباقي المؤسسات الاجتماعية في عملية التنشئة الاجتماعية، Socialzation أو التطبيع الاجتماعي للأفراد في بناء شخصية الطفل بل وشخصية الفرد طوال حياته.

على اساس ما تقدم فإن معالجة معالم وخصائص النمو الاجتماعي والانفعالي للطفل وبناء شخصيته تتطلب الإطلال السريع على النقاط التالية :

1. بناء أساس شخصية الطفل خلال مرحلة الطفولة المبكرة.

2. خطورة تحقيق الارتباط المبكر،  Early Attachment بين الطفل ووالدته أو من يرعاه لتحقيق بناء نفسي سوي.

3. الحاجات الأساسية لأطفال مرحلة الطفولة المبكرة.

4. الاتجاهات والممارسات الوالدية ودورها في بناء شخصية الطفل.

5. تكوين مفهوم الذات  Self-Concept عند أطفال مرحلة الطفولة المبكرة.

6. الذهاب لدار الحضانة أو الروضة أو المدرسة كموقف فطام نفسي للطفل وأثر تغير مصدر السلطة والعلاقات بالرفاق على شخصية الطفل.

7. أهم المشكلات السلوكية والنفسية التي يتعرض لها أطفال مرحلة الطفولة المبكرة وسبل مواجهتها والتغلب عليها.

8. نمو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، سبل اكتشافهم وضرورة التدخل المبكر حيالهم خلال مرحلة الطفولة المبكرة.

ونقدم فيما يلي نبذة مختصرة حول كل من النقاط السابقة مع إحالة السادة الحضور إلى عدد من الكتابات والمؤلفات والمقالات المبسطة التي تتوفر باللغة العربية حول جميع هذه النقاط.

 

1. بناء أساس شخصية الطفل خلال مرحلة الطفولة المبكرة

من المتفق عليه بين جميع أساتذة علم نفس الطفل والتحليل النفسي وعلماء النمو النفسي والتربية بشكل عام أن أساس شخصية الطفل يوضع خلال السنوات القليلة الأولى من عمره وأن ذلك يتم نتيجة للتفاعل والتكامل بين ما يولد الطفل مزودا به من قدرات واستعدادات وبين ما يتعرض له خلال السنوات القليلة الأولى من عمره من معاملة وخبرات وبشكل خاص من أسرته(14) أو بديل الأسرة في حالات الضرورة.

ويطلق العلماء المعاصرون على هذا التفاعل والتكامل بين دور العوامل الوراثية والعوامل البيئية مصطلح، " Gene-Environment Interaction"، أي التفاعل بين الاستعدادات الوراثية والعوامل البيئية التي تحيط بالفرد.

وتؤكد مختلف المدارس والأطر النفسية سواء في مجال علم نفس النمو أو التحليل النفسي وغيرها على أنه لو تم وضع الأساس القوى السليم لشخصية الطفل خلال مرحلة الطفولة المبكرة يكون الطفل في هذه الحالة قادراً على مواجهة كافة ما يتعرض له ويواجهه من صعوبات ومشكلات وتحديات وضغوط خلال المراحل التالية، أما إذا كان هذا الأساس هشاً ضعيفاً محملاً بصراعات ونقاط ضعف نتيجة لتعرضه للخبرات المؤلمة في الصغر فإنه لن يستطيع مواجهة هذه الصعاب والضغوط وسيكشف خلال المراحل التالية من حياته عن مشكلات سلوكية واضطرابات انفعالية مرضية وفقاً لمدى ضعف البناء النفسي وشدة الضغوط التي يتعرض لها الفرد(15).

 

2. خطورة تحقيق الارتباط المبكر بين الطفل والأم أو من يرعى الطفل لتحقيق بناء نفسي سوي(16)

هناك تراث غزير من الدراسات والبحوث سواء في مجال علم النفس بشكل عام أو في تراث التحليل النفسي والدراسات الإكلينيكية التي تؤكد على أن حصول الطفل الإنساني وربما كافة الكائنات وبالذات الثدييات على حد أدنى من حب الوالدين أو من يرعى الطفل في المراحل المبكرة من عمره (من الميلاد وحتى بلوغ خمس سنوات في حالة الطفل الإنساني) هو أساس كل ما يستطيعه في المراحل التالية من عمره من علاقات إنسانية حميمة. كما بينت تلك الدراسات والخبرات الاكلينيكية أن الحرمان من هذا الحب المبكر والارتباط العاطفي الحميم هو في حقيقة الأمر من أهم الأسباب وراء الصعيد الأعظم من المشكلات السلوكية والاضطرابات النفسية التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة.

فالحاجة للحب والحنان وإقامة علاقة حميمة آمنة مطمئنة مبكرة بين الطفل ومن يرعاه وهو ما يطلق عليه "الارتباط المبكر،  Early Attachment" من الصغر حاجة إنسانية فطرية أساسية لا يمكن إهمالها وإهمال إشباعها وإلا اضطربت الشخصية وأعيق نموها. لذلك يعتبر هذا الارتباط المبكر حجر الزاوية في الصحة النفسية للإنسان.

بالإضافة إلى ذلك بينت دراسات يصعب حصرها سواء في تراث علم النفس أو التحليل النفسي أن هذا الارتباط المبكر بين الطفل والأم أو بديلها في رعاية الطفل يرتبط ارتباطاً كبيراً بالنمو النفسي للطفل بمختلف جوانبه (النمو الجسمي والعقلي واللغوي والانفعالي والاجتماعي)، وأشارت هذه الدراسات إلى أن نمو الطفل في جميع هذه المجالات لا يسير سيراً طبيعياً سويا ما لم يتمكن الطفل من إقامة هذه العلاقة الحميمة الدافئة الآمنة مع الأم أو بديلها.

بل إن هناك دراسات أجريت على الحيوانات كالقطط والقردة وغيرها تبين أن الحرمان من الأم وحبها في السن الصغيرة (قبل بلوغ عام) يؤدي إلى ذبول الصغار واضمحلالهم وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الموت.

 

ج) الحاجات الأساسية لأطفال مرحلة الطفولة المبكرة

من بين الجوانب الهامة للنمو النفسي للأطفال اللازم الاهتمام بها ومراعاتها عند التوجه للأطفال لرعايتهم وتنشئتهم وتعليمهم وتنميتهم، الحاجات النفسية الأساسية للأطفال في مختلف مراحل نموهم النفسي.

وقد قام علماء النمو النفسي بتحديد أهم الحاجات النفسية للأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة على النحو التالي :

1. الحاجة إلى الأمن.

2. الحاجة إلى الحب والحنان والتواصل الوجداني.

3. الحاجة إلى الانتماء والقبول الاجتماعي.

4. الحاجة إلى احترام الذات وتقديرها.

5. الحاجة إلى الاستطلاع والمعرفة والفهم.

6. الحاجة إلى النجاح والانجاز.

7. الحاجة إلى اللعب والحركة.

8. الحاجة إلى المرح والفكاهة.

ومن الجدير بالملاحظة أن من أهم الأدوار اللازم على الأسرة القيام بها هو السعي بكافة السبل والطرق والوسائل لتحقيق حاجات الأطفال عند مختلف المراحل وبشكل خاص خلال مرحلة الطفولة المبكرة، ومن أهمها الحاجة للحب والحنان والاطمئنان والثقة اللازمة لتحقيق الارتباط المبكر السابق الإشارة إليه.

بالإضافة إلى ذلك يكون على جميع المسؤولين عن تربية الطفل وتعليمه وتثقيفه والترفيه عنه السعي بكافة الطرق والسبل لاستثارته والاستفادة من الحاجة للاستطلاع والمعرفة والفهم (حب الاستطلاع الفطري لدى الأطفال) وتنميته لما يخدم اكتساب الأطفال لمختلف المهارات والمفاهيم اللازمة لنموهم النفسي المتكامل.

ومن الجدير بالملاحظة أن جميع هذه الحاجات وغيرها من الحاجات النفسية قد عولجت باستفاضة وتوسع في مختلف الكتابات النفسية سواء كتب علم النفس العام أو علم نفس النمو. ومن أهم المراجع والمصادر التي يمكن الرجوع لها للتعرف على جميع التفاصيل والمعلومات المتعلقة بالأنواع المختلفة من الحاجات النفسية للأطفال عند مختلف مراحل تطورهم، المراجع والمصادر التالية : محمد عماد الدين إسماعيل، 1989، هدى قناوي، 1988 و1989، حامد زهران، 1977.

 

د) الاتجاهات الوالدية والممارسات الوالدية ودورها في بناء شخصية الطفل(17)

فيما يختص بالاتجاهات التي يتبناها الوالدان والممارسات والاساليب التي يقومان بها لتحقيق عملية التنشئة الاجتماعية أو التطبيع الاجتماعي للأطفال، وهي تلك الاتجاهات والأساليب والممارسات التي تتعلق بالمعاملة الوالدية للأطفال على وجه العموم وتلك التي ترتبط بضبط السلوك، Disciplinary Procedures بصفة خاصة وغرس القيم والعادات والاتجاهات السائدة في المجتمع لدى الأطفال، فيمكن تحديدها على النحو التالي :

بالنـسبة للـممارسات الـتي يـقوم بـها الـوالدان خـلال المـراحل المبكـرة مـن عـمر الـطـفل وهـي المـمارسات التـي تهـمنا فـي هـذه الـدراسة والـتي يطلق عليها، أسـاليب الـتنشئة المـبكرة للطـفل، Child Rearing Practices فقـد قـاـم علماء النفس بتصنيفها إلى ثلاثة تصنيفات أو أنواع أساسية لكل منها بُعدان على النحو التالي :

1. الحب مقابل العداء ويتميز البعدان في هذا النوع من المعاملة بالتقبل والاستحسان واستخدام المكافأة والثناء والتفاهم في مقابل العقاب البدني والزجر والنقد والتهديد وكراهية الطفل.

2. التسلط والتحكم مقابل التسامح ويتميز باستخدام أساليب قاسية تقيد حرية الطفل وتكبله ولا تتقبل أخطاءه وتعاقب عليها في مقابل السماح بقدر مناسب من الحرية واتخاذ القرار من جانب الطفل والتسامح بقدر معقول فيما يقوم به الطفل من أخطاء.

3. العلاقة الهادئة في مقابل القلق الانفعالي ويتميز بعدا هذا الاتجاه عن طريق التدليل والحماية الزائدة والقلق المبالغ فيه في مقابل النظرة الهادئة الموضوعية لنمو الطفل.

ومن الجدير بالملاحظة أنه بسبب أهمية النوع الأول من الممارسات الوالدية وخطورته على التوافق النفسي والصحة النفسية للطفل، قام رونر Rohner في الثمانينيات بتطوير نظرية حديثة في التنشئة الاجتماعية على أساس بعدي القبول والرفض الوالديين أطلق عليها اسم : "نظرية القبول والرفض الوالدي" "Parental Acceptance and Regection Theory (PART)"(18).

وتحاول هذه النظرية تحديد العوامل المرتبطة بالقبول والرفض الوالدي وتفسير هذه الظاهرة والتنبؤ ببعض مستتبعاتها وبصفة خاصة تلك الخصائص والسمات التي يمكن أن تترتب على القبول والرفض الوالدي.

وقد أثارت هذه النظرية عددا كبيراً من الدراسات والبحوث الهامة التي حاولت الكشف عما يمكن أن يترتب على الرفض الوالدي من مشكلات سلوكية واضطرابات انفعالية ومن أمراض نفسية وانحرافات.

ومن أهم ما كشفت عنه نتائج هذه الدراسات أن شعور الأطفال برفض والديهما أو احدهما يؤدي إلى العديد من المشكلات من أهمها كافة أشكال الاضطرابات السلوكية وكثير من الأمراض النفسية. كما يمكن أن يؤدي هذا الرفض للانحرافات السلوكية والسلوك المضاد للمجتمع والسيكوباتية. وأخيراً بينت بعض الدراسات أن هذا الرفض يؤدي لإصابة الأبناء بالاكتئاب الذي قد يؤدي بهم إلى الإدمان(19).

أما بخصوص الممارسات التي يقوم بها الوالدان لضبط سلوك الطفل خلال المراحل اللاحقة ومدى إتصافها بالسواء أو عدم السواء، فقد قسمها علماء النفس إلى نوعين عريضين على متصل واحد يقع عند أحد حديه الأساليب السوية وعلى حده الآخر الأساليب غير السوية.

ويندرج تحت الأساليب السوية في التنشئة استخدام الأساليب التربوية والنفسية الصحيحة السوية مثل الإثابة والمدح والتفاهم والتشجيع وغيرها، واستخدامها بطريقة تكشف عن حب الطفل والاهتمام به. أما الأساليب غير السوية مثل العقاب البدني والزجر والذم والتهديد فهي تكشف عن إحباط الوالدين بسبب سلوك الطفل.

ومن أهم أساليب المعاملة الوالدية التي وجدت سائدة في المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع المصري على وجه الخصوص، الأساليب التالية :

1. الأساليب الوالدية السوية.

2. الأساليب الوالدية غير السوية ومن أهمها :

* التسلط.

* الحماية الزائدة.

* الإهمال.

* التدليل.

* القسوة.

* إثارة الألم النفسي.

* التذبذب.

* التفرقة(20).


Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article