Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog d'education et de formation

الإعداد المهني للمدرس المغربي ـ ذ.حميد بن خيبش

14 Octobre 2012 , Rédigé par mohamedمحمد Publié dans #موضوعات تربوية

في معرض مقاربته للسياسة التعليمية منذ الحماية الفرنسية حتى منتصف الثمانينات , يورد الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه " التعليم في المغرب العربي " إشارة طريفة حول التدبير الحكومي للإقبال الهائل على التعليم غداة الاستقلال , فيقول " إنه الإقبال العارم على التعليم الذي اكتسى صورة ضغط شعبي هائل يهدد بالانفجار .فكيف عالجت الحكومات الوطنية هذا المشكل ؟ لم يكن هناك من خيار , لقد كان لا بد من قبول أكثر ما يمكن من التلاميذ في المدارس و استعمال جميع الوسائل الممكنة و أهمها نظام التناوب , ونصف الحصة مما مكن من استعمال الحجرات الدراسية القائمة و المستحدثة بصورة مضاعفة , وايضا اللجوء إلى توظيف كل من "يُحسن" القراءة بالعربية أو الفرنسية للعمل كمعلمين بعد دورة تكوينية مختصرة (التكوين السريع) ".

طبعا تجد هذه الصيغة التكوينية مبرراتها في الظرفية الاجتماعية و السياسية لدولة حديثة العهد بالاستقلال , أما أن تظل هي الصيغة الوحيدة المعمول بها حتى الآن فهذا ما يدفعنا للتشكيك في جدية المبادرات الرامية إلى تحديث المنظومة التعليمية !

فمعلوم أن المجتمعات المعاصرة تشهد منذ سبعينات القرن الماضي ثورة تربوية غير مسبوقة , وسعيا دؤوبا نحو الرفع من جودة التحصيل الدراسي , وتأهيل الخريجين لمواكبة التطور الحاصل في شتى مظاهر النشاط الإنساني .غير أن هذه الثورة ما كانت لتؤتي ثمارها في العديد من بلدان العالم لولا الإقرار بضرورة الإعداد الجيد للمدرس , وبناء صورة اجتماعية جديدة تناسب المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه , مسؤولية تزداد ثقلا أمام تحديات ثورة المعلومات و الاتصال , واحتدام السباق نحو امتلاك المستقبل !

 

* * * * * * * * *

 

شهد المغرب في مطلع الألفية الثالثة صدور ميثاق وطني للتربية و التكوين , كما خُصصت العشرية الأولى لتأهيل المدرسة المغربية , وعرف المشهد التربوي لتحديد الأولويات و المنطلقات و بحث الصيغ الكفيلة بالاستجابة لتوقعات المجتمع من الفرد المتعلم .

و بما أن المدخل السليم لأي إصلاح تربوي يبدأ من الإعداد الجيد للمدرس فقد نص الميثاق في دعامته الثالثة عشرة ( المواد 136,135,134) على ما يلي :

- تمكين المدرسين و المشرفين التربويين و الموجهين و الإداريين من تكوين متين قبل استلامهم لمهامهم و ذلك وفق أهداف ومدد زمنية و نظام للتكوين و التدريب يتم تحديدها بانتظام في ضوء التطورات التربوية و التقويم البيداغوجي.

- تدقيق معايير الالتحاق بمراكز التكوين ومعايير التخرج منها .

- تعزيز التكوين الأساسي و تنظيم دورات التكوين المستمر لجعلهم أقدر على المستلزمات المعرفيةو الكفايات البيداغوجية و التواصلية التي تتطلبها أمامهم .

- تستفيد أطر التربية و التكوين على اختلاف مهامها أو المستوى الذي تزاول فيه من نوعين من التكوين المستمر و إعادة التأهيل : حصص سنوية قصيرة لتحسين الكفايات و الرفع من مستواها مدتها ثلاثون(30) ساعة +حصص لإعادة التأهيل بصفة معمقة تنظم على الأقل مرة كل ثلاث سنوات .

غير أنه , وبعد انصرام ما يقارب العقد على صدور هذه التوصيات , جاءت الحصيلة الميدانية مخيبة للآمال , فقد ورد في التقرير التركيبي للبرنامج الاستعجالي (2009-2012) أن واقع تكوين المدرس المغربي لا يؤهله للانخراط بفعالية في أوراش الإصلاح , ومرد ذلك إلى : 1- غياب مقاييس تسمح بتقويم المؤهلات البيداغوجية و العلائقية للمترشحين , وكذا المحفزات التي تدفعهم لاختيار مهنة التدريس 2- عدم كفاية المدة المخصصة لتأهيل المدرسين المتدربين في مختلف مراكز التكوين ( إذ لا تتعدى7 أشهر!) 3- غياب التخصصات لدى المستفيدين من هذا التكوين .

و بدوره, لم يفلح البرنامج الاستعجالي الذي انطلق عام 2009 لإعطاء نفس جديد للإصلاح , في إرساء معايير جديدة تقطع مع نمط " التكوين السريع" , وتتجاوز المقاربة التقنية التي تتعامل مع المدرس على أنه مجرد أداة للإصلاح , وتختزل إعداده البيداغوجي و السيكولوجي في جرعات تريوية مرتبطة بتنفيذ مشاريع ومقررات متسرعة !.

أين يكمن الخلل إذن ؟

هل هو في التصور و الرؤية ؟

أم أنه خلل في تنزيل التوصيات و المقترحات ؟

بالعودة إلى ما تضمنته بعض الأدبيات التربوية التي اهتمت بمسألة الإعداد المهني للمدرس يتبين لنا أن السمة الرئيسية لإصلاح التعليم في بلادنا هي الالتفاف حول جوهر الأزمة , وأن المبادرات لم تتخلص بعد من الهاجس التقني الذي يختزل القضية في جلب خبير .. و آلة حاسبة !

 

* * * * * * * * *

في معرض تشخيصه للأخطاء التي صاحبت النهضة التربوية العالمية منذ 1935 يعقد عالم النفس السويسري " جان بياجيه" فصلا بأكمله ضمن كتابه "علم التربية و سيكولوجية الطفل" ليقارب هذه القضية الشائكة , ويقترح لها حلولا عملية تكشف عن خبرة طويلة و نظرة شمولية للتربية في أوسع معانيها.

فهو يُـعلن بداية عن قناعته بأن " أعظم الإصلاحات جدارة بالتقدير تجد نفسها عاجزة عن التطبيق ما لم تكن مصحوبة بأعداد كافية من المعلمين الأكفاء " , وأن الثورة التربوية التي تمتح تطبيقاتها من حقائق و معطيات علم النفس تستلزم عقولا مبدعة و نقدية لها قدرة على تشرب هذه الحقائق و ترجمتها إلى صيغ عملية .

و بعد أن يستعرض النظم المتبعة في إعداد المعلمين ( و التي يحصرها في ثلاثة نُظم هي : معاهد المعلمين , وكليات التربية , و أقسام التربية بالجامعات) يكشف عن مآخذه بشأن النظام الأكثر شيوعا , وهو الإعداد في معاهد المعلمين ( مراكز التكوين ببلادنا) . و يُمكن إجمالها كالآتي :

 

- إعداد المدرس وفق هذا النظام يجعل من التعليم الابتدائي وحدة اجتماعية مغلقة تولد الشعور بالنقص الجمعي , وبالتالي تغدو عائقا أمام اجتذاب مخرجات كفؤة لحقل التعليم !

- الربط بين الدراسة النظرية و الخبرات الميدانية متردي للغاية لأن المعارف التي يتم تزويد المعلمين بها في هذا النظام لا تحقق الكفاءة المطلوبة إذ تقتصر على تمرينات محدودة و أعمال تطبيقية موجهة إلى نتائج معروفة , في الوقت الذي يتطلب الانتقال إلى مدرسة فعالة إعدادا نفسيا و تربويا رفيعا , كما يستلزم التدرب على أساليب البحث و المشاركة في تجارب على المستوى الأكاديمي كي تكتسب فعاليتهم و أنشطتهم الفردية مكانة علمية .

و لايغفل بياجيه عن تقديم صيغة تكوينية بديلة تكون مدخلا لتمهين المدرس و الرفع من كفاءته , حيث يخضع الطلاب الحاصلون على الباكلوريا لإعداد متخصص يدوم ثلاث سنوات , يُخصص العام الأول لدراسة مساقات علمية تمكنهم من التعرف على المشكلات التربوية بأنفسهم , ومن ثم يعودون في السنة الثالثة إلى التطبيق العملي , أما السنة الثانية فيقضونها في الجامعة حيث يدرسون خلالها علم النفس , ويتلقون دروسا في التوجيه و إجراء البحوث , و التدريب عليها , ثم يخضعون إلى امتحان يمنحون بعده شهادة التخرج .

و لا ينسى بياجيه المتحمس لفتوحات علم النفس أن ينبه إلى العناية بالإعداد الخلقي و الاجتماعي لأنه " يمنح المدرس القناعة بأن موضوعه يشتمل على فرص غير محدودة للبحث النظري , و التطوير و التحسين الفني , كما يؤهل مهنة التعليم لتتجاوز المستوى الانفعالي صوب اكتساب رصانة المهن التي تستقي من معين العلم و الفن معا " .

و في نفس السياق تذهب "خطة تطوير التعليم في الوطن العربي" , التي أشرفت على إعدادها المنظمة العربية للتربية و العلوم و الثقافة بتنسيق مع جامعة الدول العربية , إلى أن إحداث تحول جذري ونوعي في التعليم و سياساته يفرض الاستجابة الفورية لجملة من التحديات على رأسها : إعادة النظر بتأهيل المدرسين و تحديث مهاراتهم استجابة للمفاهيم و التعريفات الجديدة لسير العملية التربوية و التعليمية .

و بعد عرض التوصيف الجديد لعمل المدرسين و مهامهم , حددت الخطة جملة من المعايير التي ينبغي لمعاهد و كليات إعداد المدرسين الالتزام بها في صياغة العدة التكوينية, و تتمثل أساسا في :

- الإعداد في مجالات القراءة و الكتابة و الرياضيات و المعلوماتية , واشتقاق ذلك من الاختصاصات و المعرفة الاحترافية الملائمة , و التمكن من استخدام الفنية التعليمية الحديثة في التدريس , و الإعداد في العلوم التي تتضمن المعرفة الجديدة , وتدريب المدرس على التحقق و الاستقصاء عبر التخصص " العلوم و الرياضيات" مع تطبيقات تلك العلوم في مجالات التنمية .

- الإعداد في مجال العولمة لتكوين المدرس ذي الأفق الكوني الواسع , و يجري اشتقاق الموضوع من حقول و تخصصات الاتصال و الاقتصاد و اللغات الاجنبية و غيرها .

- الإعداد في مجال الآداب و اللسانيات مع التأكيد على تطوير الحس الجمالي و النشاطات الإبداعية .

- تطوير المحتوى و المهارات و الاستيعاب المطلوب من قبل المدرس لإجادة التعامل التربوي مع التلاميذ , وإعدادهم للمواطنة و الديموقراطية و الحياة العملية .

 

* * * * * * * * *

 

يتبين لنا إذن , من خلال التوصيات و المقترحات الواردة آنفا , أن الإعداد المهني للمدرس يتجاوز بعده التربوي نحو اكتساب بعد تنموي و حضاري يرهن أية مبادرة للإصلاح بتوافر مدرسين أكفاء , كما يكشف لنا ن الخلل الحقيقي الذي يحد من فاعلية المشاريع التربوية , و المتمثل في النظرة الدونية للمدرس باعتباره قوة عاملة رخيصة تتحمل أداء المهام في ظروف قاسية تمس كيانه وكرامته ,وهي النظرة التي تجعل الأنظمة التعليمية في عدد من البلدان العربية , ومن ضمنها المغرب , تستعين بمدرسين لم يحصلوا على أي تكوين , أو نالوا قدرا ضئيلا من الإعداد المهني لتواكب الطلب المتزايد على التعليم .

إن المدرس هو قطب الرحى في أية استراتيجية للتنمية البشرية , و الرهان على الإعداد الجيد و الفعال سيكون بكل تأكيد خطوة أولى نحو الخروج من حالة الارتباك و التخبط التي ترهن المشهد التعليمي منذ عقود , وتشتت الجهود المبذولة للحد من اتساع الهوة المعرفية بين عالمين ! .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إحالات :

 

- جان بياجيه . علم التربية و سيكولوجية الطفل . ترجمة الدكتور عبد العالي الجسماني . الدار العربية للعلوم . ط1 1994 . ص138 وما بعدها .

 

- جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية و التعليم و الثقافة . خطة تطوير التعليم في الوطن العربي.تونس 2008 . ص82 وما بعدها

http://www.anfasse.org/index.php/2010-12-30-16-04-13/2010-12-05-17-19-19/4554-2011-10-29-18-12-46

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article